شباك يطل على الشتات ( نتائج كيماء الحب للشاعر مصطفى سعيد)..
" ترتبك يداي كلما أودع دفتراً
سهر معي واحتسى القهوة
صنع سياجاً حوله
من خيط عنكبوت
ترتبك يداي كلما أسحب دفتراً أبيض آخر
ادرك بأنني خارج أسوار العنوان
ذلك لأنني كلي بلا عنوان"
كان لا بد من هذا المدخل ..أفضّ من خلاله إلى ديوان " كيمياء الحب" للشاعر والروائي الكردي مصطفى سعيد والمنشور ضمن سلسلة " رشاد برس " في بيروت.. وهو الديوان الثالث للشاعر بعد " البداية والنهاية في الحب" و" هندسة الحب" .اللافت من العناوين قاسم مشترك " الحب" كأنه الخلاص الوحيد للشاعر من رتابة غربته التي طالت..سواء مع ذاتٍ قلقة أو مع أحجار مدينة لا تطل على بحر..ويظل هذا الديوان بعيداً "ومنفلتاً" من رقابة تديرها اللغة بكل أدواتها ووضوحها وبكل بساطتها..لغة تراهن على قراء كثر،اداروا انتباههم للهم اليومي المتغلغل بين الإرتباك والإدهاش ..فالارتباك في قصائد المجموعة جارح بشكل كبير ..والادهاش خافت ومتراجع داخل غربة الشاعر وتشتته..النص بشكل عام دائري تماماً وربما نصف القطر يتأرجح مع تأرجح القراءة..حيث يستطيل بشكل كبير ثم يتراجع إلى المركز..لتغدوا النقطة الأولى حيث يبدأ بها قصيدته وينهيها عندها:" حبيبتي..انظري للشمس. احجبيها بكفك الصغيرة .. انظري مرة أخرى. بحجم هذا الحجب حبكِ.. بحجم اللاحجب. حبي لكِ ", "حب أكبر من الشمس" كون القصائد هناك..تولد وتحترق في الشمس وحدها..ومن ثم نور هادئ وخصب يتقاطر كلما اردنا لمس اقمارها.. شاعر يراهن على بساطة المتلقي..فينسى قصيدته " قصيدة النثر" هذه القصيدة المعقدة بمكوناتها والصعبة حتى على الأشجار ..لا مواسم لها كي نقطفها وقت تشاء..على العكس تماماً ..هي قصيدة تفترض إنها قادمة من النثر وبالتالي ليس من السهولة أن نخلق من النثر شعراً إلا بحواس اضافية ومن ثم علينا أن نقنع قارئها بأنها شعر خالص "اربع وعشرين قراط" وليس نثر ..وهذه المهمة الأخيرة ليست بالسهلة..لذلك اؤكد هنا على دور المتلقي الصعب ايضاً " المتمرن على القراءات الكثيرة" فنحن في النهاية نتبادل الأدوار نفسها باللغة نفسها. وليعذرني قارئ مقالي هذا..فأنا لا أقبل له ان يكون بسيطاً حتى نقدم له قصيدة بسيطة ..لأنه وحده الذي سيحترق مع احتراق القصيدة..وفي الديوان أيضاً " شباك يطل على الشتات" اعدت اشتعاله على طريقتي وليعذرني الشاعر مصطفى ..اقول بطريقتي كوني رأيته " الشاعر" في قلبي هكذا " ربما من فرط محبتي له" ..لكن لا بد لي ان أراهن على نصه "المستقبلي" فالدرر كامنة فيه وقد رأيتها بأم عيني من خلال حياته الخاصة ومن خلال قلقه التاريخي ..شاعر ينزف على مدار الساعة بكاملها..متهماً بالكثير وهو بريء براءة الذئب من دم يوسف.شباك يطل على الشتات..وجدته هناك على طريق بين تلال كثيرة من تلال عفرين..وكوني فاحص جيد لهذه التلال ومنحداراتها واختبرت جودتها بكثير من الآلام..من خلال هذا الشباك وجدت أيضاً:" سعال السماء..كنا نسمعه" ، " الناس يتخاصرون وهم يصعدون إلى الهاوية" ، " اموات قبل الليل بقليل يتخاصمون على الأبدية " ، " أمهات يتقن الحنّة إذا كانت من طين اقدام أطفال يراهنون على الحياة فوق أرصفة مجهولة الحنين عند أطراف حلب وشام وبيروت "،" ومن خلف امامي ..أرى شاعر يجيد محاكة القرميد العتيق بلغة القمح المحترق.. شاعر يصافح صوفياً يعلق القيامة فوق صدر صبية كردية مئة بالمئة " في النهاية أرى أن الديوان " كيمياء الحب" أكّد تفوق الشعر عند مصطفى سعيد على الرواية أو القصة عنده..فاللغة تحتك أحجارها في القصائد وأني سمعت صوتها في هذا الديوان.. والنيران مستعرة بين الكلمات..وأنني لا أرى رماداً أبداً.
مروان خورشيد عبدالقادر – عفرين
marwan20082002@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق