الاثنين، 18 أكتوبر 2010

قراءة للشاعر محمود سعدو عن ديوان ( كيمياء الحب )

كيمياء الحب .. كيمياء استثنائية للشاعر مصطفى سعيد
بقلم : محمود سعدو


صباحٌ جديد نقي تسلل إلى شرفات ( الشعر) موشىّ بحروفٍ وكلماتٍ اندست بين طيات ديوان ( كيمياء الحب ) للشاعر السوري الكردي مصطفى سعيد. حيث هناك ثمة خلقٌ جديد للشعر العربي الحديث بقالبٍ فكري مكشوفٍ تارةً وضوح الشمس وتارةً بغموضٍ محير. فالحداثة عند مصطفى سعيد تأتي بتأنٍ وحذر واضحين من خلال مزجه لبعض قصائده بالمفردات الماغوطية ومن خلال اتكاله في بعض نصوصه على البساطة.

تحرك الشاعر مصطفى سعيد من أرضية صلبة تحمل الفكر الذي فككه بين يديه وراح يستلهم من أحلامه التي بقيت وستبقى عالقة بين طيات أهدابه وأثوابه الكثير الذي لم يبح به. والكثير الذي يتدفق من خلال إلهامه الذي انعكس على شعره في هذا الديوان, إذاً فالديوان يرتكز على محورين أساسيين هما ( الفكر – الحلم ).
أما الفكر فهو الذي لا يستغني عنه الأديب أبداً وإلا أصبحت كتاباته أشبه بقصبة فارغة تعصف بها الريح بسرعة, فقد جاءت معظم قصائده على قاعدة فكرية واضحة المعالم يلمحها القارئ بسرعة عند أول لمسة لشعره حتى لو كان إنساناً عادياً ما له بالشعر سيجد الفكرة تمد يدها له, وهذا ما يسعى له الشاعر كما بدا من خلال مفرداتٍ ممزوجة بالألم ورحيل الماضي بجمالياته, فهذا الرحيل خلف مكانه كلمة, تلك الكلمة اشتعلت بين أصابعه لتعلن مولد الشعر عنده. فعندما يقول في قصيدة :

( انبلاجُ النباح )

تصرخُ برغبةٍ صماء
تتعطر من الوادي السحيق تراباً وأنيناً لا ينوب
تُأكلُ الحمام أوراق الشجرِ
تتغذى على ندى الانتظارِ
حتى النباحِ الوحيدُ
الذي يعلو من وشوشة الليل يضيعُ..
يتهجينَ الرغبات العارياتِ
يزرعنَ اليقطينَ في العراء..
يعددنَ أصابعهنَ ليتأكدنَ أنهنَ لازلنَ
تحت سقف الإله..

هناك تعبير عن الألم الشفيف الذي يلامس سطح الشعور فما تحت ثمة ألم بصور رائعة واضحة لم نراها سابقاً, يتصاعد شيئاً فشيئاً إلى ما فوق سطح الشعور عند الشاعر وانعكس بقالب جميل لطيف تعبره الروح وتجففه لتلتهم أشذاءه بسرعة كما تجفف ملامس النور قطرات الندى وتعكسها إلى اشتعال الحياة بحلوها ومرها وأفراحها وآلامها.
نعم نجد بكل بساطة أن الشاعر هو من يصرخ برغبةٍ صماء مكتومة الأنين وليست هي من تصرخ, تلك الأنثى التي اختبئ الشاعر خلف ظهرها وتقمص روحها وجعلها هي من تصرخ, تلك لفتة ذكية من الشاعر ليخفي دموعه ولكن ثمة انبعاث جديد للمياه يتصاعد من أعمق الأعماق ذلك الانبعاث المتمثل ( بالعطر) نعم وأي شيء أجمل من العطر ينوب عن أفراحنا ومن هنا نستطيع أن نلمس المحور الثاني وهو الحلم. فقد مزجه الشاعر مع الألم والفكر مزجاً لطيفاً فقرر به الإبداع وأثبته على قاعدة أساسية للخلود.

الديوان فكرة قوية تزاحم بمنكبين عريضين لتأخذ مكانها تحت شمس الأدب وتستحق الوقوف والتأمل بالجماليات المتناثرة بين القصائد التي بلغ عددها خمساً وعشرون قصيدة كل قصيدة تشي بزاوية من الشعور المغلف بالأنثى, رغم أنها ليست أساساً في بناء القصائد ككل ولكننا نجد بأنه لا غنى عنها وعن عينيها فلا بد أن تنسكب تلك العينين على الكلمات لتزيدها رونقاً وبريقاً تشد بيد القارئ لمتابعتها.
هناك توظيف جميل استخدمه الشاعر في القصائد هو توظيف الحاجة إلى الأنثى والحياة في خدمة الألم. الشتات. من خلال ذلك الخيط الحريري المتواري خلف الكيمياء في توظيفها الجديد للحب والرغبة الملحة في الانتشاء به وبعناصره الحتمية وعلاماته الرصينة وبين الحب الثابت أيضاً وعلاماته الرصينة. كل ذلك لم يكن ليمنعه عن التغني بالشتات المتأصل في قصيدته:

( شباكٌ يطل على الشتات )

كنا نستمعُ لسعالِ السماء
حين تقذفُ برقاً ورعداً
الناسُ ينطحون خواصر بعضهم
وهم يصعدون نحو النزولِ
يحضرُ معهم الفجرُ وبقايا الليل والخوار
كنا نبكي على الأموات
على القبور التي استوت مع الشواهدِ
ننحرُ الأضحية ونحتفل
نودعُ بعض الأعزاء بعد العزاء
في هذا المكان المذعور بالسكون الآن
اجتمع الناس والزمان
واتفقوا أن يتخاصموا
إلى الأبد الذي لا عقبَ لأبديته..

جميلة ومحلقة تلك الصورة / سعال السماء / قدرة كبيرة من الشاعر الذي عكس سعاله إلى السماء وتلك المقارنة بين سعاله وسقمه وسعال وسقم السماء , لكنه جاء ليؤكد أن سعال السماء وبرقها ورعدها يعد بالخير المؤجل الآتِ بكل تأكيد لينعش ويرعشَ الحياة.
محمود سعدو
شاعر وناقد سوري
01/09/2010

الأربعاء، 19 مايو 2010

كيمياء الحب في جريدة اليوم



http://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=13488&I=759809&G=1


كيمياء الحب
قصائد للشاعرمصطفى سعيد


حينما نتكلم عن الشعر ، فلا بد لنا أن نمر على الغزل والعشق والحب ولوعة الشاعر وعذابه في فراق حبيبته، هكذا بني جانب كبير من الشعر، وهو موضوع لا يمكن تجاهله من مواضيع الشعر تفعيلة كان أم حراً قديما كان أم حديثاً.
ديوان « كيمياء الحب « هو الجزء الثالث من سلسلة دواوين الحب , للشاعر السوري « مصطفى سعيد « الصادر عن دار رشاد برس, بيروت, احتوى الديوان على خمس وعشرين قصيدة مع صور فوتوغرافية أخذت معظمها طابع «الفنتازيا» وعلى الرغم من أن الشاعر نوه أن الصور الواردة في الديوان غير احترافية التقطت بهاتفه المحمول في عدة دول كان قد زارها, لكن بدا في بعضها صبغة السريالية التي تكون على صلة بموضوع القصيدة ولو من بعيد, كما نجد أن الشاعر أدرج في مدونته على الشبكة العنكبوتية العديد من القصائد بصوته, القصائد التي تلقى بصوته توحي للوهلة الأولى أنها غير القصائد التي نقرأها في الديوان, يأتي هذا الاختلاف ربما بسبب قلة أو انعدام الأمسيات التي يقدمها الشاعر حتى تحدث المقارنة الذهنية للمتلقي.
ابتدأ الشاعر ديوانه بالإهداء، حيث وضع ديوانه وبكل تواضع بين يدي أدونيس، فارضاً سؤالاً على القارئ: يا ترى هل أراد الشاعر أن يهدي ديوانه الذي لا يتضح فيه أي ولاءٍ لأدونيس أو أي تأثر جلي بأسلوبه , أم ربما لأنها الأيدلوجيات التي بات من الصعب التخلي عنها عند العديد من كتاب هذا العصر, فجاء إهداء الديوان لقامةٍ شعرية لها بصمتها وحضورها، وها نحن نقرأ له مثلاً في قصيدة»اصطكاك أرواحهم» التي أفرط فيها الشاعر جلد الذات العربية:
يا أبتِ
يَرضعون جنونهم

يُشعلون مُشكاة منازلهم بزيتِ الكبود

ورذاذ الأفئدة
وجوهُهم من المطاط
وأجسادُهم من التوباز

يُسقطون أقنعتهم من العلياء بِدويٍّ

في فجوة ضيقة, حفرت لأوطانهم
..
يملكون سماءً مقيدةً في الكون العقاري بأسمائهم
غير السموات السبع
..
يا أبتِ عن أيِّ ثورةٍ يتحدثونَ..
صدروهم لم تعد تتسع للنياشين
تمثالٌ على رخام مناضدهم

رخامٌ تحت تماثيلهم
..
والماكثون عند النواصي..
يتحلونَ بأصابع من بسكويت الشعاراتِ
وزقومٍ محلّى بنعناعٍ بارد

والثياب من ورق

يا أبتِ

لازالوا قادرين أن يجعّدوا الرجال بالعجاج

ويلونوا الفجيعة كيفما شاؤوا

عند النواصي تشخص بهم الشخوصُ
ويتقيئون عصير التوت

يا أبتِ
..
اصطكاك أرواحهم..
بانوراما إلهية..
أما في قصيدة «ملامح» فلم يخرج الشاعر عن ذات الإطار, فنجد أن العنوان الذي اختاره الشاعر لديوانه, عنوان إحدى القصائد العابرة في الديوان, فلا يخفى على أي متلقي أنه يمرر بعض الرسائل السياسية من بين السطور المتشبعة بالحب على غرار ما كان يفعل نزار قباني وغيره من الشعراء.
يقول الشاعر أنه جمع في هذا الديوان نصوصا حديثة مع نصوص قديمة للغاية تعود لبداياته في الكتابة, ورغم قِدم بعض النصوص أراد ضمها بين دفتي الديوان ــ حسب قوله ــ لأنه سينقطع مطولاً عن كتابة الشعر, وذلك ما أراد أن يومئ به في نصه الأخير من الديوان:
وداعٌ بلا داعٍ
استعيذوا من هتكِ الكلمة

ويلي
ويلكم

ويلهم

ويلهن
كم أجهضنا كلماتنا

كم أجهدنا ملائكتنا

قريباً من مِتراس الثبات

تخضرُّ الحدبةُ على ظهري

تصبح بلون الرَّسغِ المسندِ على حائطٍ ناري

اسمعني - ألا ترى أنه لم يعد هنالك أيّة حجرة هاتف تختبئ في الظلّ الباردِ
..
لم يعد هنالك أيّة ذكرى- عندما تلامسُ الأقدامُ التعب المزاحِ عن مكانهِ.

الأحد، 16 مايو 2010

الشاعر مروان خورشيد يكتب عن ديوان ( كيمياء الحب )

شباك يطل على الشتات ( نتائج كيماء الحب للشاعر مصطفى سعيد)..



" ترتبك يداي كلما أودع دفتراً

سهر معي واحتسى القهوة

صنع سياجاً حوله
من خيط عنكبوت
ترتبك يداي كلما أسحب دفتراً أبيض آخر
ادرك بأنني خارج أسوار العنوان
ذلك لأنني كلي بلا عنوان"


كان لا بد من هذا المدخل ..أفضّ من خلاله إلى ديوان " كيمياء الحب" للشاعر والروائي الكردي مصطفى سعيد والمنشور ضمن سلسلة " رشاد برس " في بيروت.. وهو الديوان الثالث للشاعر بعد " البداية والنهاية في الحب" و" هندسة الحب" .اللافت من العناوين قاسم مشترك " الحب" كأنه الخلاص الوحيد للشاعر من رتابة غربته التي طالت..سواء مع ذاتٍ قلقة أو مع أحجار مدينة لا تطل على بحر..ويظل هذا الديوان بعيداً "ومنفلتاً" من رقابة تديرها اللغة بكل أدواتها ووضوحها وبكل بساطتها..لغة تراهن على قراء كثر،اداروا انتباههم للهم اليومي المتغلغل بين الإرتباك والإدهاش ..فالارتباك في قصائد المجموعة جارح بشكل كبير ..والادهاش خافت ومتراجع داخل غربة الشاعر وتشتته..النص بشكل عام دائري تماماً وربما نصف القطر يتأرجح مع تأرجح القراءة..حيث يستطيل بشكل كبير ثم يتراجع إلى المركز..لتغدوا النقطة الأولى حيث يبدأ بها قصيدته وينهيها عندها:" حبيبتي..انظري للشمس. احجبيها بكفك الصغيرة .. انظري مرة أخرى. بحجم هذا الحجب حبكِ.. بحجم اللاحجب. حبي لكِ ", "حب أكبر من الشمس" كون القصائد هناك..تولد وتحترق في الشمس وحدها..ومن ثم نور هادئ وخصب يتقاطر كلما اردنا لمس اقمارها.. شاعر يراهن على بساطة المتلقي..فينسى قصيدته " قصيدة النثر" هذه القصيدة المعقدة بمكوناتها والصعبة حتى على الأشجار ..لا مواسم لها كي نقطفها وقت تشاء..على العكس تماماً ..هي قصيدة تفترض إنها قادمة من النثر وبالتالي ليس من السهولة أن نخلق من النثر شعراً إلا بحواس اضافية ومن ثم علينا أن نقنع قارئها بأنها شعر خالص "اربع وعشرين قراط" وليس نثر ..وهذه المهمة الأخيرة ليست بالسهلة..لذلك اؤكد هنا على دور المتلقي الصعب ايضاً " المتمرن على القراءات الكثيرة" فنحن في النهاية نتبادل الأدوار نفسها باللغة نفسها. وليعذرني قارئ مقالي هذا..فأنا لا أقبل له ان يكون بسيطاً حتى نقدم له قصيدة بسيطة ..لأنه وحده الذي سيحترق مع احتراق القصيدة..وفي الديوان أيضاً " شباك يطل على الشتات" اعدت اشتعاله على طريقتي وليعذرني الشاعر مصطفى ..اقول بطريقتي كوني رأيته " الشاعر" في قلبي هكذا " ربما من فرط محبتي له" ..لكن لا بد لي ان أراهن على نصه "المستقبلي" فالدرر كامنة فيه وقد رأيتها بأم عيني من خلال حياته الخاصة ومن خلال قلقه التاريخي ..شاعر ينزف على مدار الساعة بكاملها..متهماً بالكثير وهو بريء براءة الذئب من دم يوسف.شباك يطل على الشتات..وجدته هناك على طريق بين تلال كثيرة من تلال عفرين..وكوني فاحص جيد لهذه التلال ومنحداراتها واختبرت جودتها بكثير من الآلام..من خلال هذا الشباك وجدت أيضاً:" سعال السماء..كنا نسمعه" ، " الناس يتخاصرون وهم يصعدون إلى الهاوية" ، " اموات قبل الليل بقليل يتخاصمون على الأبدية " ، " أمهات يتقن الحنّة إذا كانت من طين اقدام أطفال يراهنون على الحياة فوق أرصفة مجهولة الحنين عند أطراف حلب وشام وبيروت "،" ومن خلف امامي ..أرى شاعر يجيد محاكة القرميد العتيق بلغة القمح المحترق.. شاعر يصافح صوفياً يعلق القيامة فوق صدر صبية كردية مئة بالمئة " في النهاية أرى أن الديوان " كيمياء الحب" أكّد تفوق الشعر عند مصطفى سعيد على الرواية أو القصة عنده..فاللغة تحتك أحجارها في القصائد وأني سمعت صوتها في هذا الديوان.. والنيران مستعرة بين الكلمات..وأنني لا أرى رماداً أبداً.

مروان خورشيد عبدالقادر – عفرين
marwan20082002@yahoo.com




الثلاثاء، 4 مايو 2010

الشاعر هوشنك أوسي يكتب عن ديوان ( كيمياء الحب )


كيمياء الحبّ" للشَّاعر الكردي السُّوري مصطفى سعيد..

جديدٌ بنكهة الزيتون العفريني والعبق البيروتي ..

ولا يخلو من أصداء التقليد

ضمن سلسلة "دواوين الحبّ"، الصَّادرة عن دار "رشاد برس" في بيروت، جاء ديوان الشَّاعر الكردي السُّوري مصطفى سعيد، موسوماً بـ"كيمياء الحبّ"، في 108 صفحات من القطع المتوسّط، طواها الشَّاعرُ على 25 نصّا، جامعها مناخات وأجواء الرُّومانس، ومفرِّقها مستوى بيان المخيال، وآلام مخاض المراس. ولأن التأثُّر من طبائع الحياة، وبديهيَّات التجارب الإبداعيَّة، فالتقاط أصداء قبّاني والماغوط ودرويش، وقليل من أدونيس، كان جدّ سهل، في "كيمياء الحبّ"، وفي أمكان عدَّة. وما الشِّعرُ أو النثر، إلاَّ إعادة إنتاج لتراكم قراءات الشَّاعر، من منابع سابقيه أو مجايليه، بصيغ ودباجات مجدِّدة ومتجدِّدة، متجاوزة لسابقاتها، ما يكسبها صفة الإبداع. وعليه، لا حرج على مصطفى سعيد، إنْ كان مختبره الشِّعري، في "كيمياء الحبَّ"، قد لاحت فيه ملمح لهذه القامة أو تلك، من التي أتينا على ذكرها. فتلك القامات، لا يمكن لها أن تكون إلاَّ مؤثِّرة، بعد أن كانت هي أيضاً، في بداياتها، متأثِّرة. لكن، ما يمكن تسجيله على سعيد في جديده هذا، هو أن نصوص "كيمياء الحبّ"، أتت عاديَّة، خفيضة الدهشة، دون أن تفقد شاعريتها. هذا القول يتأتَّى من أنّ هذه النصوص، هي نتاجُ اعتلالات واعتلاجات واهتزازات ونوباتِ ذاتٍ شاعرة، تمتلك حساسيَّة، مؤمولٌ منها الأفضل والأجود. وإذا كانت ميزة هذا الديوان، هو إدراج صور فوتوغرافيَّة، التقطتها عدسة الشَّاعر، وأنَّ تلك الصور، غير متماهيَّة بالضرورة مع النصوص، بدلاً من إدراج منتقيات سريعة، كما جرت العادة، إلاَّ أنَّ بعض الصور الفوتوغرافيَّة تلك، كانت أقوى وأكثر بلاغة وعمقا من بعض القصائد. وعليه، باعتقادي، وانبطاعي، أنَّ أقوى القصائد الواردة في هذا الكتاب كانت أربع؛ "قبل الهذيان بوثبة"، "ظلّ وقرميد"، "الأجنبي السرمدي"، "وداع بلا داع". يعني، وكأنَّ الشَّاعر، أراد أن تكون مطلع وخاتمة الديوان، أنيق اللفظ والصورة والعمق، وباقي النصوص، لزوم الحشر والحشو!. وأهدى الشَّاعر مصطفى سعيد، وليده الشِّعري إلى "أدونيس. بكل تواضع.." حسب ما كتب.
في قصيدة "قبل الهذيان بوثبة"، يتبدَّى اعتصار الذات الشَّاعرة ألماً واغتبراباً، والبوح بمآسي ترحالها. وذلك عبر لغة حساسة، وصور شعريَّة، قوام بعضها التضاد، تعبيرا عن تناقضات الشَّاعر، وتمزُّقاته وأحزانه، إذ يقول:
بين شفتيّ حقيبة... يكمن وجودي..
وشروقُ غُروبي.
***
قبلنا بنصف هَمٍّ.. بعدنا بقنطارِ ألم
وثبوا هارعين ومروا من هنا.. مُريدو الماء

كهنةُ الترياق
..
شربوا من خوابيه قبلنا
كانوا يعفّرون وجوههم في حريق الحرفِ

قبل الهذيانِ بوثبة

يصنعون أسناناً من خزفِ الهمِّ

أرواحُهم المعقوفة

سنابِلهُم القصيّة نحو المعنى

ليعصروا يابسةَ القصيدة

المحصيَّة بعدد حباتِ البردِ

ظلي ظلٌّ يصلي.. لِيؤمه الماءُ ذاتهُ

كان يسند الغيمة عند عتباتِ الشفق

ليُدركَ غواية النورِ الذي لا يمكن أن يراه

في محّارةٍ هالكة بين السماء والعشبِ


ووسط هذا الغمَّ المديد والألم الفسيح، يُعلي الشَّاعر بيان عشقه، بقلبٍ بريٍّ أعمى، لا يرى إلاَّ الحبيبة، من عطرها، وهي تنثر ماء بداياته على ماء نهاياته، والحلمُ، لمَّا يزل، حريقاً شديد السعير والالتهاب، إلى ما لا نهاية. وكأنّه يشي بأنَّ مقدوره، حاله تلك، عاشقاً يصطلي دون موت. وأن يعيش جحيماً أزليَّاً وقوده الحزن والغربة والعشق
:
قلبي.. الأعمى الرعويُ.. يراكِ.. من رائحتكِ
تستفيقينَ من قعر تنهيدة
..
فتنثرين ماءَ نهاياتي على ماءِ بداياتي..
يبقى حُلمي.. خريفٌ يحترق.. يَستدينُ منهمُ الصقيعَ.. حتى النهاية.

ومن القصيدة الثانيَّة "آيتان"، يظهر الملمح النزاري (نسبة إلى نزار قبّاني) واضحاً، إلى جانب وجود شذر واهن للسيّاب، في التكرار، وانتقاء المفردة، وتقنيَّة الصوغ، وتوظيف الميثولوجيا كعشتار، مع استخدام مفردات؛ المطر والياسمين...الخ:
عيناكِ ..عيناكِ آيتان
لا تقبلان أيَّ تأويلٍ أو تفسير
..
إلا بأنكِ ابنة المجراتِ.. وابنة هذا الأثير..
عيناك.. عيناكِ آيتان
عيناكِ مدرستا السبولِ

تثيرانِ الأقزام السبعة.. والساحرة والأمير
..
وكذا الحال في قصيدة "اصطكاكُ أرواحهِم" وقصيدة "ملامح"، إذ لا يألو القارئ جهداً في التقاط بصيص من ملامح محمد الماغوط. حتّى أن سعيد، وظَّف عبارة الماغوط؛ "إلى الجحيم/ ألم تشبعوا تصفيقاً بعد"، من ديوانه "شرق عدن غرب الله"، خاتماً بها قصيدته تلك. ولعلّ الصورة الشعريَّة السلسة، الأكثر لفتاً لي في قصيدة "ملامح" هي؛ "يدٌ واحدة لا تصفِّق. يدٌ واحدةٌ تصفع". وكنموذج على الحشو والتكرار، المضرِّ بالنصّ، كرَّر الشاعر عبارة "يا أمي" خمس عشرة مرَّة في قصيدة "أمّي التي روّضتني"، وفي قصيدة "أبي الذي يأباه الإباء"، كرّر عبارة "أبي الذي" تسع مرّات، ما زاد من منسوب التقريريَّة والخطابيَّة في النصّ، على حساب الكياسة البلاغيَّة. وتتبدّى التقليديَّة والشروح في قصيدة "حمامة رماديَّة"، إذ نرى الشَّاعر، يكرِّر عبارة "حمامة رماديَّة" بعد العنوان مباشرة، دون هامش أو مسافة. وكأنَّه أخذ العنوان، من أوّل جملة من النصّ. وأمّا عن الشروح غير اللازمة، نراه يقول: "حمامةٌ رمادية.. بلونِ الحُلم والدمعِ. لا بيضاء لا سوداء". هذه الجملة الأخيرة، لا لزوم لها البتّة. لأن اللون الرمادي، أساساً هو خليط الأبيض والأسود، فلا هو هذا ولا هو ذاك. والأجدى كان الاكتفاء بـ"حمامة رماديَّة بلون الحلم والدمع". وكذا يصبح منسوب البلاغة أعلى وأمكن. إذ يطغى على الحلم والدمع الغموض والضبابيَّة، وضياع الملامح والالتباس، أهو حلمُ فزعٍ أم فرحٍ أم حزن؟، أهو دمعُ فرحٍ أم حزن؟.. أمّ ماذا؟. وأمَّا قصيدة "مولاتي" التي كرّر فيها كلمة مولاتي تسع مرّات، فقد أتت وكأنّها من بواكير ما يكتبه الشّاعر في مطالع تجربته، من حيث السطحيّة والبساطة وضعف المراس وهزال التجربة، إذ يقول:
"
موَلاتي/
مولاتي/ أمُ آهاتي وثوراتي
صانعةُ حكاياتي وانتصاراتي

رفيقةُ ذكرياتي، ملكةٌ على عرش ريشتي

مولاتي/ مولاتي.. مولاةُ الشموش

مولاةُ البحورِ.. مولاةُ الحقولِ والزهورِ والأنهرِ والقصيدةِ

مولاةُ الفجرِ والليلكِ والحرير والحُلمِ والغيمة

مولاةُ الطيورِِ والسهوة، مولاةُ الموالين لحلمك
"..

ففي هذا المقطع فقط، استخدم الشاعر واو العطف 10 مرَّات، وكرّر كلمة مولاة ست مرَّات، ما خلخل النصّ، وزاد من التراخي البلاغي والشعري فيه، لحدٍّ كبير. ولَعمري أن هذا النصّ، هو أردأ ما احتواه هذا الديوان. وآمل أن أكون مخطئاً.
خامس النصوص في هذا الديوان، كان "كيمياء الحبّ"، الذي اختاره الشاعر، وفضَّله على باقي النصوص ليكون عنوان الديوان. وعلى أن الاستعانة باسم أحد العلوم التطبيقيَّة "كيمياء" في الشعر، ليس بالأمر الملفت. حتّى أن عبارة "كيمياء الحبّ" مطروقة من قبل علم النفس. إذ سبق لطبيب أمريكي أن أصدر كتاباً حمل هذا الاسم. كما سبق للكثير من النقّاد أن استخدموا كلمة "كيمياء" في دراساتهم وبحثوهم، من قبيل "كيمياء الأدب"، "كيمياء الشعر"...الخ، إلاّ أن استخدام سعيد لهذه الكلمة في عنوان قصيدته، وعنوان ديوانه، لا يخلو من أهميّة. لكن، كان من المتوّقع آناء استخدامه لها، ألاَّ يضع نفسه تحت وطأة قاموس علم الكيمياء، واستيقاء الكثير من مفردات كـ: المحاليل، الأوكسجين، المعادن (التوتياء والزنك والبلاتينِ والتيتانيوم والذهب والرصاص والفضة والكبريتِ المنصهر)، البروتونات، الزئبق، تفاعلات ذرات، كثافات، الجزئيات، الانشطار...الخ في القصيدة. وكأنّ الشّاعر، إذا كتب قصيدة بعنوان "فيزياء الحبّ"، فهو مضطرّ، تماهياً مع العنوان، أن يستخدم مفردات كـ: الجاذبيّة، الوزن، الطاقة، الشدّة، الأمبير، الواط، السالب، الموجب، السرعة...الخ. أو إذا كتب قصيدة بعنوان "هندسة الحبّ" فهو مضطرّ لأن يستخدم مفردات كـ: الزاوية، القوس، الدائرة، المربع، المثلثّ، البيكار، المسطرة، شبه المنحرف، المستطيل، الوتر، القاعدة، الارتفاع، المساحة، المحيط...الخ. وكذا الحال إذا كان عنوان القصيدة "فلسفة الحبّ" أو "بيولوجيا الحبّ" أو "سياسة الحبّ".. وهكذا دواليك. الحقّ أنّ سعيد لم يكن مجبراً على انتقاء كل تلك المفردات من قاموس الكيمياء، حتّى يثبت لنا أنّ نصّه منجسم ومتوافق ومتماهٍ مع العنوان. خلاف ذلك، كان عليه أن يمنح كلمة كيمياء، طاقة دلاليّة أخرى، دون الرجوع لكل تلك المفردات التي استخدمها في متن قصيدته تلك. ولعلّ أجمل صورة شعريّة في نصّ "كيمياء الحبّ"، إلى جانب صور أخرى، كانت "سأحرثُ هذا الليلِ بمعولٍ من ماءٍ/ لأسكب هذا العقل المعتقل لدى الأوفياء الذين لم يعد لهم أيّ وجود".
وفي قصيدة "ظل وقرميد" ثمّة سوحان خصيب وعميق في الشعر، وفيضٌ من الدلالات والالتباسات الشهيَّة، تنمُّ عن مراسٍ عتيد. وكّأنَّ كاتب هذا النصّ، ليس هو كاتب "مولاتي". حيثُ يبدو التأمُّل، والتقشُّف في الكلام، وقلَّة أحرف العطف، والصورة الجذلة، البعيدة عن الشروح، والطارحة للأسئلة، حاضرة بقوّة في هذه القصيدة:
"
جهز بناتكِ لوأدهن قرب الجنة
لتَمُوء الأفكارُ وحيدةً بعيدةً لا رجعةَ فيها

سماءٌ مؤقتة لا تروي عطش حقولنا

الأرض الجافةُ متراميةٌ قربها

لاشيء سوى الخرائِطُ النارية
..."

يبقى القول إن الشّاعر مصطفى سعيد، باح بهويته القوميَّة وآلام وعذابات قومه، في سياق نصوصه، دون الانزلاق نحو الجلجلة والتعصُّب. فحافظ على النفح والنفس الإنساني في نصوصه. وبان أن أرض الطفولة وتعبيراتها لم تفارق مخيال الشَّاعر، وأنها معينه وزاده في غربته. تلك الذاكرة الكرديَّة الأليمة، وجدت لنفسها متنفّساً في نصوص مصطفى سعيد، في أماكن عدّة. كما لم يخفِ الشاعر فخر انتمائه لتلك البقاع الزيتونيَّة الغنّاء، المهضومة الحقوق، والمقموعة الهويّة.


الجدير بالذكر أن مصطفى سعيد هو شاعر وقاص وروائي كردي سوري، من مواليد منطقة عفرين الكرديّة، شمال سورية. صدرت له أعمال عديدة، منها "البداية والنهاية في الحب"، شعر، دار الكفاح، الدمام طبعة أولى 2006، طبعة ثانية 2007، طبعة ثالثة 2009 دار بدايات، سورية، طيعة رابعة 2010 صوت القلم العربي، القاهرة. ترجم إلى الفرنسية بواسطة الشاعرة آسية السخيري. "من سيرة الولي النقشبندي الغامض"، قصص. "أكراد أسياد بلا جياد"، رواية، طبعة أولى 2006، الدار العربية للعلوم، بيروت، بالاشتراك مع منشورات الاختلاف. طبعة ثانية 2008، دار أكتب، القاهرة بالاشتراك مع منشورات الكليم، القاهرة. "الظالمون"، قصص، ثلاثة أجزاء، دار الكفاح، الدمام 2007. "مخالب الشيطان"، رواية. "ده ملياه"، رواية. ثلاثية "خل الصبار". "نازح عن سماء الرياض"، رواية، الدار العربية للعلوم، بالاشتراك مع مكتبة مدبولي، القاهرة 2007. "مصنع صهر الرجال"، رواية. "هندسة الحب"، شعر، 2008، الدار الوطنية الجديدة، الخبر.


بقلم: هوشنك أوسي

نقلاً عن صحيفة الأيام الجزائرية

http://www.elayem-dz.com/index.php?option=com_content&task=view&id=61144&Itemid=57

الأربعاء، 24 مارس 2010

ديوان ( كيمياء الحب ) الآن في مصر والمغرب والبحرين والرياض


ديوان ( كيمياء الحب ) الآن في مصر والمغرب والبحرين والرياض

يتوفر ديوان ( كيمياء الحب ) الآن في مصر والمغرب والبحرين والرياض في العناوين التالية:

  • مصر / دار آفاق للنشر والتوزيع/ عنوان الدار في 75 ش القصرالعيني أمام دار الحكمة بالقاهرة تليفون 27953811فاكس 27954633 / afaqbooks@yahoo.com
  • المغرب / الرباط / دار الأمان للطباعة والنشر– هاتف : 212537723276/ libdarelamane@yahoo.fr الدار البيضاء / مركز التراث الثقافي تليفون 0522442931
  • البحرين / مؤسسة الدوسري للثقافة والإبداع/ http://aldosariculture.com/home/index.php?categoryid=1
  • الرياض / دار القراء / حي النسيم – شارع بن حنبل / تلفون : 012350772
  • الديوان متوفر لدى مكتبات الدار الوطنية الجديدة http://00ms00.blogspot.com/2008/12/blog-post.html
  • قريبا...ً في مكتبات جرير والعبيكان






الأربعاء، 3 مارس 2010

صدور ديوان كيمياء الحب ( جريدة اليوم )


http://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=13410&I=741563&G=1


اليوم الثقافي

ديوان جديد للشاعر مصطفى سعيد

صدر حديثا الديوان الثالث للشاعر السوري مصطفى سعيد بعنوان «كيمياء الحب»، عن دار رشاد برس في بيروت.ويقع الديوان، الذي يعد الثالث في سلسلة دواوين الحب، في 108 صفحات، وحمل مع كل قصيدة صورة فوتوغرافية التقطت بعدسة الشاعر في عدة دول.



الأحد، 28 فبراير 2010

صدور ديوان ( كيمياء الحب )



كيمياء الحب جديد الشاعر مصطفى سعيد

عن دار رشاد برس في بيروت صدر للشاعر السوري مصطفى سعيد الديوان الثالث في سلسلة دواوين الحب بعنوان { كيمياء الحب } يقع الديوان في 108 صفحة وحمل مع كل قصيدة صورة فوتوغرافية التقطت بعدسة الشاعر من بلدان عديدة.

وجاء في الإهداء:

( إلى أدونيس .. بكل تواضع )

ومن عبق الديوان نقدم القصيدة التي حملت العنوان

كيمياء الحب

حين سكبَ الله حُبَكِ في قارورةِ الجسدِ

صرتُ ، شفافاً ومُشعّاً كالبلورِ

صار حُبكِ، واضحاً في أوردتي

كسائل زئبقٍ قانٍ يفور باسمكِ ويغلي ..

حين سكب الله حبي في قلبكِ

نسيتِ أن تدعي كلَّ علماء الأرضِ

لاكتشاف نوع آخرَ من اللهبِ والنارِ

تركيبتها من أجيج روحيْنا و كيمـياء قلبيْنا..

حين رأيتكِ بادئ الأمرِ

كانت أولى رؤياي لهذا العالمِ

والصدمةُ كادت أن تُشيعني للانحلالِ في العدمِ

فما رأيته قبلكِ كان محضُ خرافةٍ وحفنةُ أوهامٍ

حينَ تحدثتِ أول مرةٍ

حدثت اضطراباتٌ لفيزياء المهجِ

تفاعلت ذراتُكِ بداخلي

وبروتوناتي تحللت فيكِ

ذبتُ في محلولكِ الأشدّ كثافةً من الياسمينِ

ضعتُ في كثافتكِ ولزوجتِك العالية

صرتُ ذائباً بيني وبينكِ

كان حديثكُ صغيرتي.. حداثياً عليَّ

آمنت حينها أن من حقِّ البشرية

أن تجاهر باكتشافها معنىً آخرَ للغة والبوهيميا

ومعدناً أشدّ نقاءً وصلابةً من التوتياء والزنك والبلاتينِ والتيتانيوم

والذهب والرصاص والفضة والكبريتِ المنصهر..

فمعدنكُ صغيرتي من كيمياء الشرق..

حين تصافحنا صغيرتي

كانت حرارةُ يدِكِ

كافيةً لإلغاء الشتاء من معادلة الفصول

فدعوتُ نفسي لاجتياز امتحان الكيمياءِ

أولى المعادلات احتجنا للأوكسجين والشفاه..

فمضيتُ نحوك دون أن أحتاج فيزا لعبوركِ

فأنتِ صغيرتي المدينةُ الوحيدة

التي لم تفرض عليَّ أيّة فيزا لدخولها

كان شرطكُ أن تتعرفي على تركيبة كيميائي..

أذكر أني بحتُ لك بأنني من ماء ميديا..

وزيت زيتونٍ، وقشورِ زبيبٍ، وعنبِ دمشقَ، وتراب ( عَفرين ) ومن حصى (دملي) وأرقِ دجلة والفرات، وبقايا نخلةٍ ودمعة..

فهلا.. كففتِ عن ذوباني..

عاهدتني صغيرتي أن لا تفرقنا الجزئياتُ

ولا تشطرنا الانفعالاتُ

فإن اختلفنا علينا أن نخلطَ عناصرنا المركبة من جديد في كلِّ مرّة..

لسماع القصيدة صوتياً

http://0ms0.com/uploud/6.mp3